Oct 25, 2016

المشي مع فيلا ماتاس


لربما لم يعرف الأدب كاتباً بصنعة إنريكي فيلا ماتاس البرشلوني الذي سحق بسيارته جسد المتسول غاودي. يمقت فيلا ماتاس مدينته حينما ينسبها اللزجون والسياح لمنارات غاودي غير المكتملة، لربما تزعجه تلك الرغبة الأرستقراطية في تشييد كنيسة من الأحجار الرملية المبتورة من أضلاع الجبل، أو لربما لأنه ليس من هواة الكمال المطلق في العمل الإبداعي، يحب أن يترك شيئاً للآخر ليقتفي أثره ويهيم معه في اتجاه مصائر مبهمة. يقول بول أوستر ألا أحد يحب الأدب كما يحبه فيلا ماتاس، لا كحب تجريدي بل كنموذج لعيش الحياة. قد يكون فيلا ماتاس الأنسب لمهمة الكتابة الأدبية باعتبارها أركيولوجيا أرشيفية انطلاقاً من روايته الشهيرة «بارتلبي وأصحابه» التي تجمع عجز الكُتّاب في عقدة بارتبلي النسّاخ ووصولاً لروايته الأخيرة «الموجز من تاريخ الأدب المحمول» التي يلفق فيها قصة جماعة سرية مكونة من مارسيل دوشامب وفالتر بنيامين ولوركا ومان ري وآخرين ممن تجمعهم رغبات الخفة والاختفاء والتنقل.

تعرفت على فيلا ماتاس قبل خمس سنوات من خلال الترجمة العربية الوحيدة التي أنجزها عبد الهادي سعدون عن رواية «بارتلبي وأصحابه». كنت قد وجدتها في إحدى مكتبات القاهرة البرجوازية وجلست أقرأها بكثير من التسلية والألفة. عبر فعل النسخ يحاول بارتلبي حل عقدة الكتابة، ومثله يجد فيلا ماتاس وصفته السحرية في حياة الأدباء أنفسهم- يستنسخها فتستقل بذاتها وتنحرف إلى مسارات جديدة، حين يستدعي بداياته مع الكتابة، يشير إلى عاطفته المتدفقة باتجاه الكتاب، حيواتهم الصاخبة والشاذة والتراجيدية، رغباتهم الانتحارية والتدميرية، وبذلك لم يعد هذا الروائي بحاجة لمادة خام أكثر من تلك التي يجدها في الواقع الأدبي فيقوم بإعادة إنتاجها كي تتجاور المخيلة بالحياة.